القرار
في الأيام الأولى للحرب الروسية – الأوكرانية، حدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مُعادلة بلاده الصعبة على النحو التالي: “لا تتخلوا عن روسيا أو أوكرانيا”، مُدركاً أنّ ما يحصل في كافة الأحوال يُضعف الاقتصاد التركي في أصعب الأوقات التي يمرّ بها.
وترتبط أنقرة اقتصادياً بروسيا، ولكنّها في ذات الوقت حليف لأوكرانيا وعضو قديم في حلف شمال الأطلسي، وتسعى للدفاع عن مصالحها الخاصة عبر عملية توازن محفوفة بالمخاطر، ففي حين تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يُطالب بسحب القوات الروسية من أوكرانيا، فإنّ تركيا، التي صوتت لصالح القرار، لا تسعى أبداً لتوتير علاقتها مع موسكو وترفض بشكل صريح أيّ عقوبات عليها قد تمنع حصولها على النفط الروسي والسياح الروس على وجه الخصوص.
وحول هذه السياسة الصعبة، رأت صحيفة “ليبيراسيون” أنّ تركيا اختارت لعبة دبلوماسية مُعقّدة، تتمثّل في عدم الابتعاد عن محور موسكو القوي ورفض قطع علاقتها معها، وفي ذات الوقت استثمار الفرصة للتقرّب من الغرب وتعزيز مواقعها من خلال دعم المعسكر الأوكراني، وإعادة إحياء طلبها المُجمّد منذ سنوات للانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما تحدث عنه صراحة الرئيس التركي عندما أعرب عن استيائه من حديث بروكسل عن انضمام أوكرانيا وليس تركيا التي انتظرت طويلاً.
وترى آن صوفي لوكادر، الكاتبة في “ليبراسيون”، أنّ أنقرة تتقدّم بخطى بطيئة في مواصلة سياسة دعم أوكرانيا وإدانة روسيا، بينما أصبح مطار إسطنبول نقطة عبور محورية للطائرات الروسية بعد إغلاق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمامها، وذلك على الرغم من إدانة أردوغان لعمليات الجيش الروسي.
وتقول اليومية الفرنسية، إنّه وبعد أيّام من المماطلة رغم ارتفاع حدّة الصوت الأوكراني بهذا الخصوص، قرر الرئيس أردوغان إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام جميع السفن العسكرية، مما أوحى بكسر الحياد الوهمي الذي كانت تدعيه تركيا حتى ذلك الحين.
ووفقاً لاتفاقية مونترو الموقعة عام 1936، تخضع القناتان لتركيا، والتي لها الحق في حالة حدوث نزاع في منع مرور السفن الحربية بما يُساهم في وقف الحرب، وهكذا رفضت أنقرة دخول ثلاثة سفن عسكرية روسية غير مسجلة في البحر الأسود، بما لبّى طموحات كييف لكن بطريقة دبلوماسية ودّية مع موسكو.
ومن جهتها، ترى يومية “لو موند” الفرنسية أنّ أنقرة، التي تحرص على الحفاظ على شكل من الحياد في الحرب الدائرة ليس ببعيد عنها، تخشى من تأثير الصراع على أسعار الغاز والمعادن والمحاصيل الزراعية خاصة الحبوب، وقد أعلنت الحكومة التركية صراحة أنّها لن تنضمّ إلى حزمة العقوبات التي تمّ تبنيها ضدّ موسكو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من أنّ للأتراك ذكريات سيئة للغاية عن العقوبات التي فرضتها عليهم موسكو في عام 2015، بعد أن أسقط الجيش التركي حينها طائرة سوخوي 24 الروسية على الحدود مع سوريا.
ووفقاً للكاتبة في الصحيفة ماري جيجو، فإنّ أنقرة تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا، وهي مورد رئيسي للغاز عبر خطي أنابيب، والروابط ممتازة أيضاً مع أوكرانيا، التي حصلت مؤخراً على طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار التركية، والتي كان من المقرر إنتاجها جزئياً على الأراضي الأوكرانية كمشروع مشترك بدّده الحليف الروسي عبر تدميره للقاعدة العسكرية التي تقع على بعد نحو 50 كيلومتراً من كييف، والتي كان من المقرر لها أن تشهد عملية التصنيع لتلك الطائرات.
وعلى عكس حلفائها في الناتو، لم تتوقف تركيا عن التجارة مع روسيا ولم تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، إذ سيؤدي ذلك إن فعلت إلى توجيه ضربة قاسية للسياحة التي تعتمد بدرجة أولى على وصول المصطافين من روسيا، في وقت ينتعش فيه هذا القطاع بعد عامين ضعيفين بسبب جائحة كورونا، ففي عام 2021، جاء 4.6 مليون سائح روسي إلى تركيا، مُقابل 3 ملايين من السياح الألمان، و2.6 مليون سائح من أوكرانيا.
ومن المؤكد أن الحرب والعقوبات ضدّ روسيا وارتفاع أسعار النفط سوف تؤدّي إلى انخفاض عدد الزوار الروس والأوكرانيين وغيرهم إلى شواطئ أنطاليا وبودروم.
وعبر حفاظها على سياسة الحياد بشكل ما، تخشى تركيا قبل كل شيء، وبعيداً عن مصالح السياسة، تأثير الصراع على اقتصاد البلاد الذي يبدو اليوم أضعف مما كان عليه قبل نحو 20 عاماً، تقول “لو موند”، فهل تنجح تركيا في موازنة علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا؟.
انستغرام
https://instagram.com/alqarar_iq
الموقع الالكتروني
تلكرام